يعد الفراغ العاطفي من أكبر أسباب الإكتئاب عند فئة عريضة من البشر , والسبب راجع في أغلب الأحيان إما إلى الفشل المسبق في تجارب الحب , أو إلى النجاح في اتخاذ الإحتياطات اللازمة والناجعة التي تقي الفرد من الوقوع في شباك الحب سواء عند الأزواج أو العزاب , ليطرح السؤال التالي نفسه : هل الفراغ العاطفي نعمة ام نقمة؟
من المسؤول عن الفراغ العاطفي لدى الشباب :
ضعف الترابط الأسري :
ما أن يبدأ الشاب أو الشابة في العد العكسي للدخول في مرحلة العمر الحرجة أي سن المراهقة , حتى يبدأ في التحدث مع أقرانه عن عواطفه وأحاسيسه تجاه الجنس الآخر سواء كان فتى أو فتاة .
و السبب قد نرجعه إلى غياب حضن أسري دافيء يسع الشاب أو الشابة منذ الطفولة للإشباع العاطفي و للتعبير بكل حرية عما يبتغينه من أسرهم لسد حاجاتهم و للاكتفاء حتى لا يبحثون عنه خارجا , فالآباء بالدرجة الأولى قد ينصاعون وراء توفير متطلبات الحياة المادية لأبنائهم ناسين أو متناسين أنه قد يستغني الشباب عن حاجاتهم المادية في حين يتشبثون بكل ما هو معنوي متعلق بالأحاسيس من حب وحنان وعطف أسري يشدهم إلى مجتمعهم المصغر الذي هو الأسرة .
ومن الآباء من يتنبهون إلى حاجة الفتاة خاصة إلى أسرتها اعتبارا لحديث رسول الله : << كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته >> .
لكن و للأسف فإن اهتمامهم يكون زائدا عن القدر المطلوب أحيانا, كما يتم تضييق الخناق على الفتاة أو تكون القسوة شعارهم حتى لا يفلت منهم لجام أبنائهم في هذه السن الحرجة , لتكون بذلك النتيجة عكسية , ولتحس الفتاة بعدها بفراغ عاطفي داخل أسرتها مع انعدام الألفة بينهم , فتبحث عنها في العالم الخارجي دون أن تكترث للعواقب الوخيمة و للحدود الشرعية , بل كل همها هو سد الفراغ التي تحس به .
وللأسف ما أن تلبث الفتاة حتى تصطدم بالواقع الذي يؤكد لها أنها تتمسك بسراب أو أنها قد وقعت في براثن ذئب لا يرحم .
نفس الشأن بالنسبة للشاب الذي يصطدم بكونه قد وقع بين حبال من تعتبره نزوة أو سد فراغ أو تسلية , فيصاب هو الآخر بخيبة أمل , قد تسوقه إلى صدمة عاطفية ثم إلى اكتئاب و فراغ عاطفي .
و بذلك تكون الأسرة هي السبب الرئيسي وراء جعل ابنهم أو ابنتهم يبحث عما افتقده بينهم ليعاني داخل الأسرة و خارجها .
ضعف الوازع الديني :
حقا إن ربط الشباب حبله بالله تعالى و الابتعاد عن المعاصي ما أمكن و عدم السقوط في براثن العلاقات غير الشرعية , يجعله بعيدا كل البعد عن الفراغ العاطفي , حيث يعمل على الاستعانة عليه بالاجتهاد في العبادات و التحصيل العلمي و استبدال حب الله و البشر بحب الله وحده و التضرع إليه إلى أن يمن عليه بزوجة صالحة تكون حسنة دنياه و آخرته , – و هذا غير منافي للفطرة كما يدعي البعض- و احتساب كل ما يحدث له ابتلاءا يجازى عليه , فإن أحب تعفف و صبر إلى أن يتزوج فشكر فكان خيرا له , و إن تعذب من جراء الفراغ العاطفي صبر إلى أن يعوضه الله فكان خيرا له , مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم << عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له >>
الاحتراز وسبل التجاوز :
تقتضي فطرة البشر إنجداب الرجال بشكل عام لما يسمى بالجنس اللطيف و العكس صحيح أيضا , إلا أن الله سبحانه و تعالى اقتضت حكمته عدم انصياع الإنسان لفطرته بشكل مطلق , بل حدها سبحانه بحدود شرعية يجب عدم تخطيها وإلا وقعنا في معصيته .
فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما قال << اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك >>
يقصد بذلك القلب لأنه عليه السلام لا ينطق عن الهوى بل يشرع للناس و يبين لهم أنهم قد يعدلون فيما يتعلق بالمادي أما ما يتعلق بالأحاسيس و المشاعر التي منبعها القلب فمن الصعب التحكم فيه .
و عليه فإن الإنسان يجب أن يعلم بأنه قد يسقط في شباك الحب ، لذا فهو مطالب منذ البداية بتلجيم فرس شهوته حتى يسهل عليه التحكم فيه , لذا عليه غض البصر أولا وأخيرا لأن النظرة سهم من سهام الشيطان , حيث يبدأ بالنظرة ثم الابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء واللقاء لا يأتي بعده خير , و إن أغفل هذا ولم يفعل ما ذكر فشهوته ستقوده إلى الهاوية و ستكون بمثابة فرس جامح .
لكن مع ذلك قد نجد من الشباب من اتخذ الإحتياطات اللازمة من تقوى الله وغض بصر وعدم الخضوع في القول وما إلى ذلك , إلا أنه وقع في حب شخص لسبب من الأسباب , هنا نقول أن الإسلام لا ينكر إمكانية وقوعنا في الحب و قد لخص الحبيب المصطفى عليه السلام دواءا للمحبين فقال << لم ير للمتحابين مثل النكاح >> وهو إقرار ضمني منه عليه السلام بعدم حرمته فالمحب المتعفف له الأجر الجزيل لا محالة .
وعله يجب استحضار:
- مراقبة الله تعالى في أفعالنا و تصرفاتنا , فإن نحن نجحنا في الابتعاد و الاختباء عن الأنظار - لنلتقي و نؤسس علاقات غير شرعية - , فلن ننجح في الاختباء عن الواحد القهار يقول الله تبارك وتعالى<< يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور >> سورة غافر . وقال في سورة الحجرات << إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون >>
- التضرع لله تعالى و الاستعانة به ليرزقنا و ليزوجنا أزواجا صالحين وييسر لنا تكوين أسر مسلمة فقد قال تعالى << وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله >>
و لذلك فهم عبد الله بن العباس مسألة قال فيها << من أراد الغنى فليتزوج >>
و لنعلم أن الله تعالى أعد الأجر العظيم و الرزق الكثير لكل من يبتغي الإحصان و العفاف .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم << ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله >>
وقال عليه الصلاة و السلام << سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه، ورجل قلبه معلق في المسجد، ورجلان تحابا في الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال : إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما صنعت يمينه >>
فلنسارع لنتظلل بظلاله تعالى إنه سميع مجيب