الحمد الله العلي القدير وكفى والصلاة والسلام علي النبي المصطفى وعلى آله وصحبه وسلم
"وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"
تمر امتنا الاسلامية جمعاء بمنزلق خطير جدا رغم تكالب المحن واستشراء الفتن من انتشار غير مقنن وبلا حسيب او رقيب للقنوات الفضائية من خلال عدة اقمار صناعية وسهولة استقبالها من قبل الغني والمتوسط والفقير فكم رأينا بيوت متهالكة وآلية للسقوط وكذلك عشش وصنادق يعتلي قمتها الطبق الاسود الغالب عليه اللذي مع مر السنين لم يعتريه الصدأ او يقلل من جودة استقباله كأنه صنع بيد شيطان رجيم والعياذ بالله من كل شيطان رجيم والعلة ليست كلها في هذا الطبق رغم ضآلة نفعه من سيل ضرره الا انه استطاع ان يجبر الكثير حتى الملتزمين لم يسلموا من جلبه رغم جهودهم في استأصله عوضا عن الاعراض عنه فقد تمكن بقوة نفوذه ان يتربع علي قمة منازلهم بدأ من قناة المجد والتي تصارع البقاء ولكن لم تجد بدا من استخدامه .
من مخاطره انه ساعد كثيرا في اتساع الهوة بين الحميمية والصلة والروابط الاجتماعية لعزوف كثير من الاسر علي البقاء متأثيرين بمواده نافذه السموم المغطاة والمغلفة برحيق العسل وهو عنهم براء ونتج عن ذلك الاستمراء في اللهو ومتابعة كل شاردة وواردة دون الالتفاد الي القيمة المادية والمعنوية اللتي سيجنيها المتلقي وانما الطابع العام بغرض التسلية وتضييع الوقت ولو حساب النفس والجسد والفروض التي اضحت تتلاشي وتنحسر الى مالا يحمد عقباه ، وهذا مؤشر الى الصد والابتعاد عن مداومة الذكر والتفكر في ملكوت الله والمداومة علي الاستغفار وقراءة القرآن وقيام الليل المحصلة النهائية ضياع السنة وشيوع البدعة ولولا لطف الله عز وجل بنا بوجود قلة من المؤمنين المصلحين لنفذ الله وعده في محكم التنزيل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها } (الإسراء:16) ، وقوله تبارك وتعالي رأفة بنا وهو عالم بحالنا ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } (هود:117) ، وهناك الكثير من اسباب ابتعاد المسلمين عن الهدي النبوي السليم وركنهم الى الدنيا وملذاتها وتطور ذلك الى ان كثير منهم استسلم الى طلب الرزق من خلال المضاربات المالية ولم يعيره ان كان تشوب هذه المعاملات شبهة ربوية او تعدي علي اموال اخوة له في الملة والمنهج وانما هدفه الحصول علي الربح بأي صفة او وسيلة كانت ويكون بذلك ظلم نفسه وساعد في ظلم اخيه المسلم ضاربا كل تحذير ووعيد من رب العالمين عرض الحائط ممنيا النفس بأن ما يفعله هو من طنوب الشطارة والحرفنة اى الحذاقة في استجلاب الاموال وكثير جدا من المتناقضات في حياة كل مسلم يمارسها اما قناعة منه ولن يعيره من امر دينه الا ما يعتقد انه علي حق واما متذبذبا وموعدا نفسه حين غناها ان يتوب ولكن هل ياترى سيسعفه الاجل حيث لا تدري اي نفس متي ستموت !!!
ومما اثار طرحي هذا هو الدعوة الحقيقية لكل مسلم ومسلمة بأن نهتم لامر ديننا وما امتن الله علينا من وعي وادراك بان نستدرك ما بقي لنا من عمر والاعمار بيد الله عز وجل ونتواصى بالاستغفار فكلنا جميعا بحاجة ماسة الى مجاهدة انفسنا وتعويدها علي الاستغفار لعلها تكون مدخل لنا في كشف الغمة وصفاء الانفس المهمومة علي مستقبل هذه الامة امة المليار ويزيد سائلا المولى ان يكون عملنا خالصا لوجهه الكريم .
عوداً على بدء، فقد أسلفت القول إن سورة هود لفت نظري فيها الحديث عن الاستغفار من خلال دعوات الأنبياء، وها نحن أولاء سوف نبحر معاً في ثنايا هذه السورة؛ لنتأمل فصائل الاستغفار، ولعل من المفيد هنا أن أذكر أن من أبرز الموضوعات التي تميزت بها هذه السورة: عمل الصالحات، ولا يخفى أن الاستغفار في مقدم الأعمال الصالحة.
ولذلك جاء في مفتتح السورة ضمن أربع آيات جامعة لأصول الدعوة إلى دين الله _تعالى_ (انظر: تفسير المنار: 12/1207).
وحين نتأمل في فضائل الاستغفار نجد أن الله _سبحانه وتعالى_ قد رتب عليه فوائد كثيرة، ومنها:
1- المتاع الحسن:
فهذا نبينا محمد _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم_ يخاطب قومه قائلاً: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً" (هود: من الآية3).
ها هو يبين لهم فضيلة الاستغفار بأن يمتعهم متاعاً حسناً، والمتاع الحسن كلمة عامة، تصلح لكل ما يمكن أن يكون متاعاً حسناً في الدنيا، فلا يكدره مكدر، ولا يشوبه شائبة.
والملاحظ أن الاستغفار هنا مقرون بالتوبة، وهمـا صنوان لا يفترقان، يقول القرطبي _رحمه الله_: "قال بعض العلماء: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين" (الجامع لأحكام القرآن: 5/4).
وعلى هذا فإن الذنب حين يكون فلا بد له من توبة، ولا بد أن يكون مع التوبة إقلاع عن الذنب، ومن ثم استغفار بأن يطلب المرء مغفرة هذه الذنوب التي وقع فيها.
وعن ذلك يقع للإنسان ما وعد الله من المتاع الحسن من سعة في الرزق ورغد في العيش.
وفي مقابل ذلك فحين تكثر الذنوب، ويقل الاستغفار أو ينعدم، فالعذاب حاصل لا محالة، وهو مأخوذ من قوله _تعالى_: "وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" (الأنفال: من الآية33).
فوجود الاستغفار سبب لمنع العذاب، والعكس صحيح.
يقول رشيد رضا – رحمه الله -: "وهذه السنة الربانية مطردة في ذنوب الأمم المقصودة بالقصد الأول من هذا الخطاب، وهي فيها أظهر منها في ذنوب الأفراد، فالأمم التي تصبرعلى الظلم والفساد والفسوق والعصيان يهلكها الله _تعالى_ في الدنيا بالضعف والشقاق وخراب العمران، حتى تزول منفعتها، وتتمزق دولتها، فتنقرض أو تستولي عليها دولة أخرى، فهذا معروف في تواريخ الأمم من أحوالها العامة في كل عصر، وأما أقوام الرسل _عليهم السلام_ في عصورهم: فقد أهلك الله المصرّين منهم على الكفر والعناد، بعد قيام الحجة عليهم بعذاب الخزي والاستئصال" ولذلك قال في آخر الآية: "وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ" (هود: من الآية3) (تفسير المنار: 12/7).
المهم أن الله _سبحانه وتعالى_ ربط سعادة المرء في حياته الدنيوية بكثرة الاستغفار، وجعلها ضمن تغيير عام يدخل فيه أشياء لا حصر لها حين قال: "يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً" (هود: من الآية3).
ويشهد لذلك عمومات الآيات الأخرى، التي رتبت سعة الرزق، والبركة، وتيسير الأمور، والأجور العظيمة وتكفير السيئات، ونحو ذلك من الجزاءات رتبتها على التقوى والإيمان وفعل الصالحات.
2- إعطاء كل ذي فضل فضله:
أيضاً يخاطب نبينا محمد _صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم_ قومه قائلاً: "وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ" (هود: من الآية3).
هذه الفضيلة الثانية للاستغفار، وذلك بمجازاة "أهل الإحسان والبر من فضله وبره، ما هو جزاء لإحسانهم، من حصول ما يحبون ودفع ما يكرهون". (تفسير السعدي ص332).
سواء أكان ذلك في الدنيا أو في الآخرة، بيد أن جزاء الدنيا – كما لا يخفى – لا يكون كاملاً دائماً، نتيجة لوفاة الإنسان، أما ما يبقى له فهو ما يدخره الله _سبحانه وتعالى_ له من الجزاء العظيم في الآخرة، ففي الصحيح أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال لسعد: "وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في فم امرأتك" (صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب ما جاء أن الأعمال بالنية).
وقد أخرج ابن جرير – رحمه الله – مسند إلى ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: "من عمل سيئة كتب عليه سيئة، ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات، فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت عشر حسنات، وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة، وبقيت له تسع حسنات، ثم يقول: هلك من غلب آحاده أعشاره" (تفسير الطبري: 11/182).
وحاصل الكلام أن كل ما يحتسبه المرء من قول أو فعل أو نية لله _تعالى_ فإن الله _تعالى_ يجازيه على ذلك جزاء عظيماً في الدنيا والآخرة، وهو فضل منه _تعالى_، ألقاه الله للعبد ولم يبينه أو يوضحه؛ لأنه سرّ بين العبد وربه، فيكون الجزاء بقدر العمل والاحتساب لله _تعالى_.
3- المطر:
ها هو نبي آخر يبين لقومه فوائد الاستغفار، ألا وهو هود _عليه السلام_ إذ يقول: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً..." (هود: من الآية52).
والكلام نفسه توجه به نوح _عليه السلام_ إلى قومه، إذ يقول: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً" (نوح:10، 11).
و"المدرار: حال من السماء، حسنة مبالغة من الدرور، وهو: الصب، أي: غزيراً". (التحرير والتنوير 12/96).
قال القرطبي – رحمه الله -: "فيه معنى التكثير، أي: يرسل السماء بالمطر متتابعاً، يتلو بعضه بعضاً" (الجامع لأحكام القرآن 5/35).
ويقال:إن قوم هود _عليه السلام_ كانوا بحاجة شديدة إلى المطر لأجل زروعهم وأشجارهم، ولذلك لما رأوا العذاب قالوا: "هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا..." (الأحقاف: من الآية24).
وأياً ما تكن الأمور فإن الاستغفار سبب مهم لنزول المطر، ولهذا روي عن أمير المؤمنين عمر _رضي الله عنه_ أنه "صعد المنبر يستسقي فلم يزد على الاستغفار، وقرأ الآيات في الاستغفار، ومنها: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً" (نوح:10، 11). (تفسير ابن كثير 4/453).
إننا حين نتأمل – في عصرنا الحاضر – المشكلة التي تعاني منها كثير من الدول في العالم، شرقه وغربه نجد أن مشكلة المياه هي أحد أهم وأكبر المشاكل التي تطرق الباب بقوة.
ويختلف النظر في حل هذه المشكلة، فتارة يعمد البعض إلى تقنين استخدام المياه، ويعمد آخرون إلى فرض رسوم على الاستخدام، وفئة ثالثة تعمد إلى تحلية مياه البحر لتعالج النقص، ولكن هل تأملنا وسألنا أنفسنا عن سر هذا النقص في المياه؟ وهل عرفنا أن المعاصي وقلة الاستغفار أحد أهم الأسباب لذلك؟
إن نقص المياه نتيجة، لكن السبب هو المعصية، وإذا بادرنا بالعودة إلى الله _تعالى_ واللجوء إليه، فإن ذلك قمين بعودة القطر مدراراً، ولعل ذلك أحد أسباب تشريع صلاة الاستسقاء، أعني: اللجوء إلى الله والارتباط به، وقطع العلائق عن غيره من البشر.
وفي الحديث عن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب". (سنن أبي داود – كتاب الصلاة – باب في الاستغفار).
قال ابن كثير_ رحمه الله_: "ومن اتصف بهذه الصفة، يسر الله عليه رزقه، وسهل عليه أمره، وحفظ عليه شأنه وقوته، ولهذا قال: "يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً" (نوح:11). (تفسير ابن كثير: 4/453).
وإذا ما أردنا من الله _تعالى_ إنزال القطر؛ فلنفتش أنفسنا ولنعد إليها، حتى ييسر الله لنا ما أردنا، فينبت الزرع، ويدرّ لنا الضرع، ويتسع الرزق.
اللهم اجعل هذا العمل وهذا الجهد في ميزان كل مسلم حريص علي نفع امته قدر استطاعته بما أفاء الله علينا جميعا من حب الدين واهله وكل حرف ينثر من خلال كل موقع يساهم ويساعد بسطه ونشره فجزا الله خير كل مسلم غيور وختم لنا وله ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات بالعتق من النار والفوز بالجنة انه رؤوف رحيم وبالاجابة جدير.
روابط الصور التالية لها علاقة للاستزادة والاستفادة بأمر الله فضلا لا أمر النقر عليها